Thursday, May 13, 2010

قد لا تكون النظرة الاخيرة

لم اعتبر يوما ان تلك الفتاة ذات البشرة السمراء غريبة عنى .. كنت أشعر بأنها مثال للطيبة والبشاشة .. لم ارى على وجهها الا ابتسامة تقابلنى بها كل يوم حين تدخل الى مكتبى حاملة فنجان القهوة الصباحية وهى تبتسم .. اسالها عن حالها تقول بلهجتها الاثيوبية بما يعنى نشكر الله ... نشكر الله على كل شى هكذا اعتدت منها رغم علمى بصعوبة الحياة نسبة لضعف الاجر الذى تتقاضاه وهى التى تعيل زوج واطفال ثلاث.

اعتدتها قوية ..

اعتدتها شجاعة ..

وهالنى ما رأيته اليوم ... شعرت بأن الجبل قد أنهار ..

هى .. أستسلمت للموت ..

هيكل عظمى مسجى على فراش فى مستشفى اشبه بالسوق .. تجارى بكل شى حتى بالدواء ..

مستشفى أبراهيم مالك .. ربما اجهل من هو بالنسبة الى السودانيين ولكن فى داخلى قلت ربما لو عرف ان حال المستشفى سيؤول الى هذا الحال لفكر من سماها هكذا بتغييرها الى سوق الحمير ..

اجساد على الارض ورائحة نتنة .. أن اردت الدخول يجب عليك ان تدفع مبلغ ربما بالنسبة لى يبدو تافها ولكن الكثير ربما يقرر ان يترك مريضه او قريبه ان عاش ان يخرج من السوق اقصد من المستشفى لزيارته. هذا ان لم يقراء عليه فى المقابر.

كل هذا لا يهم .. دلفت الى باحة المستشفى ابحث عنها .. كانت النظرات تتأملنى وكأننى قد اتيت من عالم أخر .. لم أهتم هدفى كان أن أراها .. بقربى كانت من تعمل معنا الان وهى صديقة لها ومن كانت تحمل لى اخبارها بعد انقطاها عنى حين تركت العمل لتسافر مع زوجها الى مدينة اخرى ، وليتها لم تفعل .. فهو زوجها اول الاسباب التى دفعت بها الى قاع الهاوية .. رجل لا يفهم أن الحياة تحتاج الى من يستطيع أن يحارب لاجل لقمة خبز لاطفاله ولزوجة .. ليته تركها على قلة الاجر .. زوج عاطل بمخ عاطب .. مثله يجب أن يرمى فى النار فما جناه عليها اكبر مما جناه على اطفالها ..

كان قلبى يخفق بعنف فى كل ممر .. وكل غرفة امر بها فى طريقى اليها .. كنت اتصور أشياء كثيرة ولكن ما رأيته حين وقفت امام سريرها دفعنى الى الانهيار فورا الى اقرب مقعد .. لم تكن هى .. لم تكن كما أعتدت بها .. أمامى جسدها الاسمر الشاحب مسجى كتلة من العظم ... فاقدة للنفس وفاقدة للنطق .. سالت قريبة لها لماذا ... اجابت .. كانت تجوع لاجل اطفالها .. تجوع لانها لا تملك لقمة خبز ..

نظرت اليه .. الى زوجها واقفا والدموع فى عينيه .. تبكى .. الان تبكى يا ظالم ..

أين كنت حين كانت جائعة .. أين كنت ..

حاولت التحدث اليها ..

حاولت أن ابحث عن بوادر حياة فى وجهها ..

حاولت .. وحاولت .. لم تشعر بى .. شبه فاقدة للحياة .. فقط عينان تدمعان

وكأنها ترانى رغم الغيبوبة ..

حين خرجت كنت أبكى ليس فقط لانى عرفتها .. وليس لما الت اليه .. كنت أبكى الفقر والحوجة .. كنت أبكى ظلم الحياة وظلم الناس ..

انى أدعو الله أن اراكى مجددا .. قد لا تكون النظرة الاخيرة .. وقد لا يكون الوداع

فمهما قدمت لك الان او ما قدموه كل من عرفوكى بالشركة .. لن يكون سببا للشفاء ...

لكن الله رحيم .. الله عادل ...

أصلى لكى من كل قلبى ... لتعودى الى الحياة .. لاجل اطفالك ..

وليس لاجل شئ اخر ..

ناضلى لتعيشى ..

ناضلى ولا تستسلمى للموت ..

تشبثى بالحياة .. فما عرفتك الا هكذا

وما اراد الرب ... سيكون

13/5/2010

No comments: